السَّيْـفُ أَصْـدَقُ أَنْبَـاءً مِنَ الكُتُبِ
أبو تمام
السَّيْـفُ أَصْـدَقُ أَنْبَـاءً مِنَ الكُتُبِ=فِي حَدهِ الحَدُّ بَيْـنَ الجِـد واللَّعِـبِ
بيضُ الصَّفَائِحِ لاَ سُودُ الصَّحَائِفِ فِي=مُتُونِهـنَّ جـلاءُ الشَّـك والريَـبِ
والعِلْمُ فِي شُهُبِ الأَرْمَـاحِ لاَمِعَـةً=بَيْنَ الخَمِيسَيْنِ لافِي السَّبْعَةِ الشُّهُـبِ
أَيْنَ الروايَةُ بَلْ أَيْـنَ النُّجُـومُ وَمَـا=صَاغُوه مِنْ زُخْرُفٍ فيها ومنْ كَـذِبِ
تَـخَـرُّصَـاً وأَحَـادِيثـاً مُلَفَّقَـةً=لَيْسَتْ بِنَبْـعٍ إِذَا عُـدَّتْ ولاغَـرَبِ
عَجَائِبـاً زَعَمُـوا الأَيَّـامَ مُجْفِلَـةً=عَنْهُنَّ فِي صَفَرِ الأَصْفَـار أَوْ رَجَـبِ
وخَوَّفُـوا الناسَ مِنْ دَهْيَـاءَ مُظْلِمَـةٍ=إذَا بَدَا الكَوْكَبُ الْغَرْبِيُّ ذُو الذَّنَـبِ
وَصَيَّـروا الأَبْـرجَ العُلْيـا مُرَتِّبَـةً=مَا كَـانَ مُنْقَلِبـاً أَوْ غيْـرَ مُنْقَلِـبِ
يقضون بالأمـرِ عنهـا وهْيَ غافلـةٌ=مـادار فِي فلكٍ منهـا وفِي قُطُـبِ
لو بيَّنت قـطّ أَمـراً قبْـل مَوْقِعِـه=لم تُخْفِ ماحلَّ بالأوثـانِ والصُّلُـبِ
فَتْحُ الفُتـوحِ تَعَالَى أَنْ يُحيـطَ بِـهِ=نَظْمٌ مِن الشعْرِ أَوْ نَثْـرٌ مِنَ الخُطَـبِ
فَتْـحٌ تفَتَّـحُ أَبْـوَابُ السَّمَـاءِ لَـهُ=وتَبْرزُ الأَرْضُ فِي أَثْوَابِهَـا القُشُـبِ
يَا يَـوْمَ وَقْعَـةِ عَمُّوريَّـةَ انْصَرَفَـتْ=مِنْكَ المُنَى حُفَّـلاً مَعْسُولَـةَ الحَلَـبِ
أبقيْتَ جِدَّ بَنِي الإِسـلامِ فِي صَعَـدٍ=والمُشْرِكينَ ودَارَ الشـرْكِ فِي صَبَـبِ
أُمٌّ لَـهُـمْ لَـوْ رَجَـوْا أَن تُفْتَـدى=جَعَلُـوا فدَاءَهَـا كُلَّ أُمٍّ مِنْهُـمُ وَأَب
وَبَرْزَةِ الوَجْـهِ قَدْ أعْيَـتْ رِيَاضَتُهَـا=كِسْرَى وصدَّتْ صُدُوداً عَنْ أَبِي كَرِبِ
بِكْرٌ فَمـا افْتَرَعَتْهَـا كَـفُّ حَادِثَـةٍ=وَلا تَرَقَّـتْ إِلَيْهَـا هِمَّـةُ النُّـوَبِ
مِنْ عَهْدِ إِسْكَنْـدَرٍ أَوْ قَبل ذَلِكَ قَـدْ=شَابَتْ نَواصِي اللَّيَالِي وهْيَ لَمْ تَشِـبِ
حَتَّى إذَا مَخَّـضَ اللهُ السنيـن لَهَـا=مَخْضَ البِخِيلَةِ كانَتْ زُبْدَةَ الحِقَـبِ
أَتَتْهُـمُ الكُرْبَـةُ السَّـوْدَاءُ سَـادِرَةً=مِنْهَا وكانَ اسْمُهَا فَرَّاجَـةَ الكُـرَبِ
جَرَى لَهَا الفَـألُ بَرْحَاً يَـوْمَ أنْقِـرَةٍ=إذْ غُودِرَتْ وَحْشَةَ السَّاحَاتِ والرِّحَبِ
لمَّا رَأَتْ أُخْتَها بِالأَمْـسِ قَدْ خَرِبَـتْ=كَانَ الْخَرَابُ لَهَا أَعْدَى من الجَـرَبِ
كَمْ بَيْنَ حِيطَانِهَا مِنْ فَـارسٍ بَطَـلٍ=قَانِي الذَّوائِب من آنـي دَمٍ سَـربِ
بسُنَّةِ السَّيْـفِ والخطـي مِنْ دَمِـه=لاسُنَّةِ الدين وَالإِسْـلاَمِ مُخْتَضِـبِ
لَقَدْ تَرَكـتَ أَميـرَ الْمُؤْمنيـنَ بِهـا=لِلنَّارِ يَوْماً ذَليلَ الصَّخْـرِ والخَشَـبِ
غَادَرْتَ فيها بَهِيمَ اللَّيْلِ وَهْوَ ضُحًـى=يَشُلُّهُ وَسْطَهَـا صُبْـحٌ مِنَ اللَّهَـبِ
حَتَّى كَأَنَّ جَلاَبيبَ الدُّجَـى رَغِبَـتْ=عَنْ لَوْنِهَـا وكَأَنَّ الشَّمْسَ لَم تَغِـبِ
ضَوْءٌ مِنَ النَّـارِ والظَّلْمَـاءُ عاكِفَـةٌ=وَظُلْمَةٌ مِنَ دُخَانٍ فِي ضُحىً شَحـبِ
فالشَّمْسُ طَالِعَـةٌ مِنْ ذَا وقدْ أَفَلَـتْ=والشَّمْسُ وَاجِبَـةٌ مِنْ ذَا ولَمْ تَجِـبِ
تَصَرَّحَ الدَّهْرُ تَصْريـحَ الْغَمَـامِ لَهـا=عَنْ يَوْمِ هَيْجَاءَ مِنْهَا طَاهِـرٍ جُنُـبِ
لم تَطْلُعِ الشَّمْسُ فيهِ يَـومَ ذَاكَ علـى=بانٍ بأهلٍ وَلَم تَغْـرُبْ على عَـزَبِ
مَا رَبْعُ مَيَّـةَ مَعْمُـوراً يُطِيـفُ بِـهِ=غَيْلاَنُ أَبْهَى رُبىً مِنْ رَبْعِهَـا الخَـرِبِ
ولا الْخُدُودُ وقدْ أُدْميـنَ مِنْ خجَـلٍ=أَشهى إلى ناظِري مِنْ خَدها التَّـرِبِ
سَماجَةً غنِيَـتْ مِنَّـا العُيـون بِهـا=عَنْ كل حُسْنٍ بَدَا أَوْ مَنْظَر عَجَـبِ
وحُسْـنُ مُنْقَلَـبٍ تَبْقـى عَوَاقِبُـهُ=جَاءَتْ بَشَاشَتُهُ مِنْ سُـوءِ مُنْقَلَـبِ
لَوْ يَعْلَمُ الْكُفْرُ كَمْ مِنْ أَعْصُرٍ كَمَنَتْ=لَهُ العَواقِبُ بَيْنَ السُّمْـرِ والقُضُـبِ
تَـدْبـيـرُ مُعْتَصِـمٍ بِاللهِ مُنْتَقِـمٍ=للهِ مُرْتَقِـبٍ فِـي اللهِ مُـرْتَـغِـبِ
ومُطْعَـمِ النَّصـرِ لَمْ تَكْهَـمْ أَسِنَّتُـهُ=يوْماً ولاَ حُجِبَتْ عَنْ رُوحِ مُحْتَجِـبِ
لَمْ يَغْـزُ قَوْماً، ولَمْ يَنْهَـدْ إلَى بَلَـدٍ=إلاَّ تَقَدَّمَـهُ جَيْـشٌ مِـنَ الرعُـبِ
لَوْ لَمْ يَقُدْ جَحْفَلاً ، يَوْمَ الْوَغَى ، لَغَدا=مِنْ نَفْسِهِ ، وَحْدَهَا ، فِي جَحْفَلٍ لَجِبِ
رَمَـى بِـكَ اللهُ بُرْجَيْهَـا فَهَدَّمَهـا=ولَوْ رَمَـى بِـكَ غَيْرُ اللهِ لَمْ يُصِـبِ
مِنْ بَعْـدِ ما أَشَّبُوهـا واثقيـنَ بِهَـا=واللَّهُ مِفْتـاحُ بَابِ المَعقِـل الأَشِـبِ
وقال ذُو أَمْرِهِـمْ لا مَرْتَـعٌ صَـدَدٌ=للسَّارِحينَ وليْسَ الـوِرْدُ مِنْ كَثَـبِ
أَمانيـاً سَلَبَتْهُـمْ نُجْـحَ هَاجِسِهـا=ظُبَى السُّيُوفِ وأَطْرَاف القنا السُّلُـبِ
إنَّ الحِمَامَيْنِ مِنْ بِيـضٍ ومِنْ سُمُـرٍ=دَلْوَا الحياتيـن مِن مَاءٍ ومن عُشُـبٍ
لَبَّيْتَ صَوْتـاً زِبَطْرِيًّـا هَرَقْـتَ لَـهُ=كَأْسَ الكَرَى وَرُضَابَ الخُرَّدِ العُـرُبِ
عَداكَ حَرُّ الثُّغُـورِ المُسْتَضَامَـةِ عَـنْ=بَرْدِ الثُّغُور وعَنْ سَلْسَالِهـا الحَصِـبِ
أَجَبْتَـهُ مُعْلِنـاً بالسَّيْـفِ مُنْصَلِتـاً=وَلَوْ أَجَبْتَ بِغَيْرِ السَّيْـفِ لَمْ تُجِـبِ
حتّى تَرَكْتَ عَمود الشـرْكِ مُنْعَفِـراً=ولَم تُعَرجْ عَلـى الأَوتَـادِ وَالطُّنُـبِ
لَمَّا رَأَى الحَرْبَ رَأْيَ العيـن تُوفَلِسٌ=والحَرْبُ مُشْتَقَّـةُ المَعْنَى مِنَ الحَـرَبِ
غَـدَا يُصَـرفُ بِالأَمْـوال جِرْيَتَهـا=فَعَزَّهُ البَحْـرُ ذُو التَّيـارِ والحَـدَبِ
هَيْهَاتَ ! زُعْزعَتِ الأَرْضُ الوَقُورُ بِـهِ=عَن غَزْوِ مُحْتَسِبٍ لاغزْو مُكتسِـبِ
لَمْ يُنفِق الذهَبَ الـمُرْبـي بكَثْرَتِـهِ=على الحَصَى وبِهِ فَقْرٌ إلـى الذَّهَـبِ
إنَّ الأُسُـودَ أسـودَ الغيـلِ همَّتُهـا=يَومَ الكَرِيهَةِ فِي المَسْلوب لا السَّلـبِ
وَلَّى، وَقَـدْ أَلجَـمَ الخطـيُّ مَنْطِقَـهُ=بِسَكْتَةٍ تَحْتَها الأَحْشَـاءُ فِي صخَـبِ
أَحْذَى قَرَابينه صَرْفَ الرَّدَى ومَضـى=يَحْتَثُّ أَنْجـى مَطَايـاهُ مِن الـهَرَبِ
مُوَكـلاً بِيَفَـاعِ الأرْضِ يُشْـرِفُـهُ=مِنْ خِفّةِ الخَوْفِ لامِنْ خِفَّةِ الطـرَبِ
إنْ يَعْدُ مِنْ حَرهَا عَدْوَ الظَّلِيم ، فَقَـدْ=أَوْسَعْتَ جاحِمَها مِنْ كَثْرَةِ الحَطَـبِ
تِسْعُونَ أَلْفاً كآسادِ الشَّرَى نَضِجَـتْ=جُلُودُهُمْ قَبْلَ نُضْجِ التيـنِ والعِنَـبِ
يارُبَّ حَوْبَاءَ لـمَّا اجْتُـثَّ دَابِرُهُـمْ=طابَتْ ولَوْ ضُمخَتْ بالمِسْكِ لَمْ تَطِبِ
ومُغْضَبٍ رَجَعَتْ بِيضُ السُّيُوفِ بِـهِ=حَيَّ الرضَا مِنْ رَدَاهُمْ مَيتَ الغَضَـبِ
والحَرْبُ قائمَـةٌ فِي مـأْزِقٍ لَجِـجٍ=تَجْثُو القِيَامُ بِه صُغْراً علـى الرُّكَـبِ
كَمْ نِيلَ تحتَ سَناهَا مِن سَنـا قمَـرٍ=وتَحْتَ عارِضِها مِنْ عَـارِضٍ شَنِـبِ
كَمْ كَانَ فِي قَطْعِ أَسبَاب الرقَاب بِهـا=إلى المُخَـدَّرَةِ العَـذْرَاءِ مِـنَ سَبَـبِ
كَمْ أَحْرَزَتْ قُضُبُ الهنْـدِي مُصْلَتَـةً=تَهْتَـزُّ مِنْ قُضُبٍ تَهْتَـزُّ فِي كُثُـبِ
بيضٌ ، إذَا انتُضِيَـتْ مِـن حُجْبِهَـا=رَجعَتْ أَحَقُّ بالبيض أتْرَاباً مِنَ الحُجُبِ
خَلِيفَةَ اللَّهِ جازَى اللَّهُ سَعْيَـكَ عَـنْ=جُرْثُومَةِ الديْنِ والإِسْـلاَمِ والحَسَـبِ
بَصُرْتَ بالرَّاحَةِ الكُبْـرَى فَلَـمْ تَرَهـا=تُنَالُ إلاَّ علـى جسْـرٍ مِـنَ التَّعـبِ
إن كان بَيْنَ صُرُوفِ الدَّهْرِ مِن رَحِـمٍ=مَوْصُولَةٍ أَوْ ذِمَــامٍ غيْـرِ مُنْقَضِـبِ
فبَيْنَ أيَّامِـكَ اللاَّتـي نُصِـرْتَ بِهَـا=وبَيْنَ أيَّـامِ بَـدْرٍ أَقْـرَبُ النَّسَـبِ
أَبْقَتْ بَني الأصْفَر المِمْرَاضِ كاسْمِهـمُ=صُفْرَ الوجُوهِ وجلَّتْ أَوْجُـهَ العَـرَبِ